«طقوس العتمة».. حلم بدوي يأخذه الحنين إلى الجذور
محمد عطية محمود*
تحمل مفردة «البدوي» في مجموعة «طقوس العتمة»1 للقاص الليبي عوض الشاعري، عبء المغامرة الإبداعية التي يخوض بها غمار إبداعه القصصي الباكر، والذي يشتغل على الهم الذاتي، منطلقا منه نحو رسم خريطة ـ تتجذر معالمها بذات السارد المعانق لطبيعة وجوده ـ لصورة البدوي في أعماق بدويته حيث البداوة وطن يتأصل في نفوس من عانقوا جذورهم في حياة الصحراء وجفافها البادي / الظاهر، والذي يخفي تحت قشرته العديد من المشاعر الجياشة الفوارة، والمتضاربة، والرقة التي تنحو نحو الشاعرية بمفهومها الحسي المستبطن للذات وأناتها ولواعجها وحاجة البدوي للاستقرار، والفارد بجناحيها في هذا الجو الموحش الذي يتحول إلى جنة يشتاق إليها البدوي إليها كلما ابتعد عنها لأي سبب من الأسباب، وتتمثل له فيها حياته، وذكرياته، وفعاليات وجوده بها ضمن هيكل حياته الأسرية التي لا تنفصل سماتها وعاداتها عن مجتمعها الصحراوي، فيقول بلسان السارد، الذي يغطي جل نصوص المجموعة. "البدوي الذي يسكنني، مشاكس حتى آخر خيط من خطوط عمامته العتيقة، عنيد وشقي، لا يني يستدرجني نحو سطح مرآته المكسرة الحواف" ص31.
تبدو سمات البدوي في هذا الاستهلال لنص "الولوج السري" الذي يرصد به العلاقة المتأصلة بين هذه المفردة المجردة، وتلك السمات حيث يربط بينها وبين العناد والمشاكسة، وبين ذاك الجذر الذي يربطه بهذه السمات، ولكن بنوع من الشفافية والغوض في أعماق الذات /الماضي/ التاريخ ولو من خلال مرآة متكسرة الحواف، دلالة على القدم، والتي تتسق في المعنى والسمة مع العمامة كرمز دال من رموز الحياة البدوية، والتي ورث الحس بها، كما ورث مظاهرها وعاداتها، وطبعها الخشن، الذي يستميل القوة والمغامرة إلى جانبه.
لكن استبطان الذات يلاحقه، ويشعل فيه الرغبة في العودة إلى الطبيعة المراوغة للبدوي الذي استعاض عن حياته بها، ببدائل أخرى؛ فيقول محدثا ذاته، معنفا لها: "آآآآآه أيها البدوي المشاكس.. ماذا تريد وقد قايضت راحلتي على أعتاب المدينة بخيمة من اسمنت، ولفائف تبغ.. وروايات ماركيز الرديئة الترجمة.. لم يزل هذا اللعين... الغاوي... الغوي، يزين لي الولوج السري.. حيث شجيرات التين البيوض التي غرسها جدي ذات فجر بدوي حنون" ص32.
تبدو سمات الحنين التي يطلقها السارد، المغافل لحاضره، بالدفع الذاتي لذاته نحو حياته السابقة داخل حدود وطنه / صحرائه، ليشعل فيه هذه الرغبة، هذا الحلم في العودة إلى الجذور، والتي تمثلها شجرة التين التي غرسها الجد.. والتي تمثل المعادل الموضوعي للحياة على أرض وطنه، إذ تمثل رمزا من رموزه الدالة على الحياة فيه؛ لتتداعى على السارد خواطره / ذكرياته والتي تتراءى له فيها الجدة مقترنة بطقوسها البدوية، مع ما تشع به من سحر الحكايات والنوستالجيا الدائمة نحو الماضي / التاريخ بكل ما فيه، والتي تتوازى مع حنينه الدائم على طبيعة نشأته: "في الخيمة تصحبني إلى فراشي الممهد، وتشاركني قصعة الدشيشة بالقديد التي أحبها، ثم تغوص في أعماق ذاكرتها العامرة بلغة الحكي الجميل، عن شجاعة جدي، وموت أبي المبكر، وأنا أنصت خاشعا، محدقا في تجاعيد جبينها......." ص 32.
يلعب الكاتب على تيمة النهاية الدائرية التي تعطي للنص سمة تثبيت اللقطة القصصية والغوص في أعماق الحدث المتناهي في البعد، حيث تتمثل بؤرة الصراع في قاع الذاكرة التي يستحلبها السارد على نحو من الحميمية والرهافة التي تتناقض دوما مع الطبيعة القاسية ليلعب النص أيضا على تيمة التقابل بين الداخل والخارج، بما يخدم الصراع بين الذات والمرآة التي تمثل هنا أيضا معادلا موضوعيا لاستخلاص هذه القيمة الحياتية المتمثلة في حنين السارد/البدوي إلى بداوته /وطنه، والذي ينهي فضفضته/ نصه بقوله: " وجسدي في صراع غير معلن مع سلطان النوم، الذي كثيرا ما يصرع صغار البدو في مثل تلك الأوقات، ويبقى متوجا على عرش أحلامهم التي لا تتحقق بعد أن يسمهم بالعناد "ص33، محققا العودة إلى المرآة/ الشاهد على تفاصيل جنوحه وحنينه معا..
يحمل نص "طوير الجنة" نفس الرغبة الحميمة إلى العودة إلى الوطن، من رحلات اغتراب تعترض الشخصية الساردة أو المسرود عنها في نفس الآن، فيصور النص معاناة الطائر "طوير الجنة" في العودة إلى موطنه كسمة متأصلة فيه، إسقاطا من النص/السارد، على رغبته العارمة للعودة إلى وطنه، تماهيا مع شخصية الطائر الذي يمثل إلى جانب روحه المتوثبة للحرية، عنصر الحنين إلى دفء الوطن الذي ربما احتاجه السارد، وأحاله على هذا الرمز/الطائر: "كان لابد أن تخبرهم بأنه: من فصيلة "طوير الجنة" التي تأتي إلى هنا لتعيش فترة من الزمن، ثم تؤوب ثانية إلى موطنها الأصلي، هناك حيث الأعشاش الكبيرة الواسعة التي بنيت فوق أشجار تجري من تحتها الأنهار" ص50.
هكذا تتمثل للسارد، أرض موطنه بالجنة التي يعود إليها الطائر الطليق. وتحمل له الأمنيات التي يقابلها عناد الطائر، واحتكامه لصيرورته المؤدية به حتما إلى العودة إلى موطنه، رغم الحرية التي ربما نالها بعيدا عنه، في تأكيد على المفارقة بين الحرية، والبقاء في أسر المكان، وإن كان جنة مشتهاة إلا أنها تمثل قيمة الوطن.
في نص "طقوس العتمة" يعرض الكاتب لنموذج مغاير، لنصوص المجموعة، حيث تلعب التيمة الكابوسية التي يعتمدها الكاتب، مع السرد بضمير الغائب دورا هاما في كتابة النص، ومعالجته للفكرة المضادة للحلم ـ الذي تتبناه أغلب النصوص التي تعانق مفهوم النوستالجيا / الحنين، المختلط بتيمة الحلم، والذي يعتمد عليه السارد بضمير الأنا على إبراز روح ذاك الحنين المتجذر في النفس للعودة إلى الجذور / الوطن، وإن كانت طبيعته صحراوية قاسية موحشة ـ حيث السرد بضمير الغائب يعطيه هذه المساحة الأكبر من الانطلاق على المستوى العام غير محدد الشخصية؛ فالأزمة التي يعالجها النص هنا هي أزمة الإنسان بعامة حين تواجهه مصاعب الحياة من خلال كوابيسها المادية والنفسية.. "حين أراد أن يمشي كان الدرب معتما، مشبعا برائحة الوحل اللزج الذي لن تمسه أشعة الشمس منذ بدء تكوينه الأول في رحم تلك البقعة من الأرض التي ضاجعها أكثر من شيطان مريد" ص43.
هنا تتقابل صورة الأرض التي تطرحها التيمة الكابوسية، مع الأرض بمعنى الوطن والتي تتجلى في جُل نصوص المجموعة ـ كما أسلفنا ـ لتعطي ذاك الانطباع الطوباوي لمعنى الأرض/ الوطن، ولو كان صحراء قاسية.
ويتمادى النص في الإمعان في توريط المسرود عنه/الإنسان في دروب هذا الوحل برموزه الدالة على الانسحاق والغوص في متاهات الاغتراب النفسي التي تطرحها المعالجة النصية للحالة: "تناوشته أقدام الكلاب التي تلغو في الماء الراكد، وحطت على جسده أسراب البعوض والطفيليات.. حاول الوقوف.. خانته قواه التي ضربها الوهن حتى العظم.. أراد أن يكرر المحاولة.." ص44.
تبدو هنا حالة المقاومة، كمعول عليه للخروج من الكابوس/الأزمة/الحالة النفسية، التي فرضها عليه الواقع الخارجي المسبب لما آل إليه حاله/مصيره.
"لم يسفر بحثه عن شيء. كان الوحل و الركام قد عبثا بكل شيء.. بعد لأي أحس بومضة رؤوم تبهر بصيرته في رعشة لذيذة.. أغرته بمعاودة البحث بأمل وتلهف.. " ص46.
يبقي النص على أمل المسرود عنه/الإنسان ـ في موازاة مع الحلم، وضد الطبيعة المختزلة في خلاصة كل عناصر التنكيل بالإنسان ـ في المقاومة والتماس الأمن والخروج من عنق الأزمة، أملا في واقع أفضل ربما كان بروحانية كانت غائبة عنه. وبالتوازي مع روح الأمل في العودة عبر دروب المكان/الوطن.
كذلك يرصد الكاتب لعادة قبلية، هي عادة الثأر للذات أيا كانت مسبباته و دواعيه، والتي يبدو فيها جانب من جوانب الحياة القاسية العصبية، والتي تسم أحيانا شخصية البدوي، والتي تطرح إشكالية الوجود الأزلي للصراع في المجتمعات القبلية، وخاصة تلك التي تتميز بالقسوة المفرطة نظرا لارتباطها الشديد بالصحراء، التي تورث القسوة والخشونة والجفاء والعناد المرير كدوال على شظف الحياة بها: "لم لا ألبي نداء اللحظة، الذي يستغيث بهمجيتي، ويدعوني للانتقام؟ لم لا ألجم تعقلي؟، وأسلم خطام فكري لبداوتي التي تستنفر طباع أسلافي الأولين.. رصاصة واحدة وينتهي الأمر، وأتخلص من جبل الهموم النابت في رأسي.. رصاصة وليحدث بعدها ما يحدث.. المهم أن أقتل هذا الكلب سارق الفرح " ص22.
هنا تتجلى تلك السمات التي يربط بها القاص بين الهمجية وعدم التعقل، وبذور التطرف الشخصي التي تتبدى من تاريخ الأسلاف، وتتلاقى مع جلد الذات الواقع تحت تأثير ذلك التعصب الأعمى، وإن غابت الأسباب الداعية إلى ذلك الثأر أو توارت/غمضت..
تبدو هنا دلالة العنوان "التاج الأسود" متسقة مع هذا الجو النفسي الذي يطرحه الكاتب من خلال تداعيات نصه ـ التي قد تعترضها بعض إشارات الغموض ـ ومعمقة للمعنى، حيث يسقط الكاتب هذه الدلالة على تلك الطقوس: "الليل لم يأت، وأنا قابع في مكاني، أتجرع الصبر... آآآآآآآآآه... والضيق بحيرة من الهم.. تتسع للحظات، ثم تضيق.. تضيق كتاج أسود ملعون يضغط على مقدمة رأسي، ويدعوني إلى إنهاء المهمة" ص24
مما يدلل على الحالة المستعصية من الغضب، والثورة التي لا تني تفارق الشخصية المستسلمة للمقدرات التي يفرضها عليها الواقع، الذي تتشبع بمفرداته، بنوع من الاستلاب النفسي للقدرة على التمييز، وحق التحلي بزينة العقل، والتي قد تفقده إياها الحياة القاسية.
لكن هذا الواقع ربما فرض على ذات السارد فعل الاستلاب الذي يلاحقه حتى في اغترابه عن مجتمع بداوته، التي تجعل منه مراقباً، بمعنى استلاب حريته، وتضييق الحصار عليه، في نص " عينان " حيث تتحول العينان إلى مصدر قلق وإزعاج لشخصية السارد التي تستقل حافلة/ترام، في حيز آخر من حيزات ارتحال هذا البدوي، الذي يقابل بتلك النظرات على نحو ما يفتتح به الكاتب سرده كعتبة جيدة تدخل السرد في حيز الفعل، وتبدأ به في إثارة الدهشة والجدل معا: "حاولت كثيرا أن أتحاشى النظر إليه فلم أستطع؛ فقد كانت عيناه مصوبتين تماما إلى وجهي، إلى عيني بالتحديد، كانت كبندقية صيد عتيقة" ص51.
تأتي هنا بندقية الصيد كدلالة على قسوة الترصد، وكمفردة من مفردات الحياة الصحراوية التي يستعين بها البدوي، ولكنها الآن في وضع معاكس حيث تُسلط ضده، وليست في يده كالمعتاد والمتبع في حياة البداوة والصحراء.. لكن اللافت هنا هو كم التراجع الذي تحدثه هذه المواجهة في شخص السارد، الذي لم يفلح في الهرب من أسر تلكما العينين، لتنتقل السمات المواجهة من مجرد عينين، إلى التفاصيل الوصفية الدالة على ذات الراصد، ولعل ذلك مما يعمق الإحساس بقسوة الترصد.
".. فهو لا يبدو متصنعا في ملبسه، وهذه الثياب التي يرتديها، كأنها خلقت له، فهي تمنحه هيبة، وتكسوه رهبة، وهذا ما يقلقني.. إذن لماذا ينظر إليّ هكذا؟ ولماذا أنا بالذات من بين ركاب العربة المشؤومة؟ أيعقل أن يكون...؟ لا.. لا أظن، فملامحه لا تشي بانتمائه لبلادي.. إذن ماذا؟ أيعقل أن أكون شبيها لشخص مطلوب بثأر لهذا الرجل؟" 52
هنا يأتي السؤال الواقع تحت تأثير فعل الترصد، والممتد من النص السابق، ولكن بعلاقة عكسية تفرضها ظروف الموقع الذي يأتي فيه الاستلاب بالإحساس بالاضطهاد والمطاردة بشبح الثأر الذي ربما تعيش في أجوائه شخصية البدوي.
لكن المفارقة تأتي في نهاية النص حيث يحتدم الصراع بين السارد والرجل الآخر/الراصد، على نحو من التشابك الأعمى، الذي تتجلى فيه هشاشة ظنونه متسقة مع اكتشاف حقيقة الرجل: "ـ ستقتل الرجل.. أتستعرض قوتك على أعمى؟ اتركه فورا وإلا سقناك إلى الشرطة" ص53.
هنا تتوازى دلالة العمى المعنوي للسارد، مع العمى المادي الذي يعتري شخصية الراصد المتوهمة، والتي تدفع النص ناحية التناص مع نص "الأعمى" للكاتب الكبير الراحل محمود البدوي ، حيث لعب النصان ـ كما لعب غيرهما ـ على نفس التيمة التي تتوازى فيها تلك العلاقة بين المادي والمعنوي.. لكن العمى المعنوي للسارد هنا محكوم بأيديولوجيااغترابه عن واقعه الذي ربما حمله بهذه التيمة من تيم الاغتراب والاستلاب معا.
تبدو الأزمة، وبالتالي طرائق محاولات الخروج منها، معولا عليه من خلال ما تستدعيه الشخصية المغتربة عن وطنها الحقيقي، وما يفرضه عليها واقعها البديل الذي تحط عليه أقدامها، دونما إحساس بالاستقرار أو الراحة، وكأنما تغوص الأقدام في فراغ يلف ما حولها، ففي نص "حلم العودة"، تصبح عودة المغترب إلى وطنه وشيكة، لانعدام فرصه في حيازة مكان للسكنى، حيث يقول السارد: "شعور بالضيق اجتاحني هذا الصباح، وامتلك كل كياني، وأنا أتأبط ملفا يغص بالمستندات التي تثبت أحقيتي في الحصول على منزل من منازل محدودي الدخل" ص67.
لكن النص يلجأ إلى إبراز دور الذاكرة الشجية المرتبطة بالجذور، والتي تنثال على وعي السارد المأزوم، بما يشعل هذا الحنين إلى الوطن الأصلي؛ فيقول ص 67 "لكنه لا يني يفيض بسيل عرم يجري عبر أودية التذكار التي أورثتني حجتها أهلي الأولون"
هنا يلتصق السارد/الشاكي بدواعي العودة إلى التذكار كعتبة أولى من عتبات الإياب، ثم طرق الأبواب الممكنة وغير الممكنة، والعودة عبر دروب التذكار، والتشتت التي يعاني منها السارد، فيقول: "ويخالجني شعور بالإحباط، وتسحبني مخيلتي إلى نجوع أهلي في العراء الشاسع الممتد عبر تضاريس الوطن، وترن في أذني استغاثات النسوة، وتأوهات الشيوخ، وزفرات فوارس القبيلة (ما بي مرض غير برمة أفلاكي، وهلبة أملاكي، وضيق دار وأشون قاعد متا كي).. وتظل مخيلتي تيسر لي التسلل إلى مضارب أهلي القسرية في البريقة، والعقيلة، وعين الغزالة، وأتذكر بعثرتهم في نواحي الدنيا الأربع" ص71، 72.
تطفو على سطح النص المأثورات الخاصة بأهل الوطن مختلطة بشجون استدعائها له، لتتوفر للنص، وللمجموعة في محورها الرئيس، ميزة من ميزات الانغماس في واقع الصحراء والبداوة التي تلح إلحاحا شديدا على متن المجموعة وهوامشها، وتتجذر في نفسية السارد لكل ما عرضنا له من نصوص غلب عليها ضمير الأنا السارد الحميمي، المغرق في ذاتية تطرح ما بداخلها على الخارج، وتسقطه على العام وعلى جغرافية المكان، كما انطبع في جغرافية النفس والشعور، كما تفرض الأماكن والمصطلحات البدوية سلطتها على ذاكرة السارد التائقة إلى معانقة الوطن/الصحراء، على رغم قسوة المعيشة به.
وتعمق من غربة السارد الذي لا يجد إلا التساؤلات المطروحة على شخصه المجبول على الاستسلام الظاهري للواقع الذي يستلبه ويهرس أحاسيسه، فتفاجئه النشوة الطارئة لهاجس انفراجة، فتكون الصدمة/المفارقة في واقعة وقوعه على الأرض أمام إحدى السيارات السائرة في بحر حياة اغترابه، لتثير عليه التهكم، كما تثير أحلام البدوي الرابضة في أعماقه، والذي يهفو إلى المشهد الختامي للنص، الذي يؤكد على دلالات جديدة للحلم والاغتراب معا، أكثر مما يعطي حلا دراميا لنهاية الموقف القصصي: "أنهض متجها نحو الرصيف، وأنا ألعق بقايا حلمي، ويدي تنفض الغبار العالق بملابسي، فأنعطف إلى اليسار، ورأسي مرجل تضطرم فيه كل همومي، وأحدق للحظات في عصفور حط لتوه أعلى شجرة.." ص74.
تشير دلالة العصفور الذي حط فوق الشجرة إلى الرغبة الشديدة في معاودة الطيران التي يطرحها النص كمعادل للرغبة في العودة إلى أعطاف الوطن.. فهل يعود؟!
* أديب وباحث مصري، الإسكندرية
1- طقوس العتمة ـ 2004 صادرة عن سلسلة المؤتمر ـ مجلس الثقافة العام ـ الجماهيرية العربية الليبية.


ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق